قبل أن تسلم الجندي السلاح عليك أولاً أن تعلمه مفاهيم وثقافة الدولة حتى لا تكون سببا في خلق أدوات لقوى الشر والدمار
الأربعاء، 31 يوليو 2019
الاثنين، 29 يوليو 2019
تربوية
أخي خطيب الجمعة
ماذا سوف تقول للمصلين غدا بعد أن ذبح الإبن أمه، وترك الشباب العمل وباعوا أنفسهم قرابين لحرب ليس لها هدف،، هل ستعترفوا أنكم ووزارة التربية والتعليم بكل قوامها من المدرسة إلى الوزارة أنكم اضعتم أمة كانت قبل خمسين سنة تقدس العمل وتتحاشى حمل السلاح إلا للضرورة وحولتم المدارس والمساجد إلى بؤر تنفث حمم الكراهية وتفرق الناس شيعا وأحزابا يقتل بعضهم بعضا وغيبتم ثقافة العمل والحياة والإبداع!!!!
هل قدمتم لهم مفاهيم العيش والتعايش لكي يجعلوا من حياتهم جسورا للنجاة بالآخرة!!!!
متى سوف تكون خطبة تقرير لما ينجز من الخير خلال الأسبوع وتقييم الاعوجاج بالسلوك لما يوافق ما أمرنا الله به؟
السبت، 27 يوليو 2019
ضد همجية المتدينين والمناطقبين
ارتقي بإنسانيتك ولا تكن مثلك ذلك الكلب الذي يرى نفسه بطلا وهو ينبح ضد كل عابر سبيل
لا للإرهاب الديني والمناطقي
المغبش
. الـمُغَـبّـــــــشْ (١)
عبد الملك الحاج
طُرد من قريته... ولم تقبله جميع قرى الناحية.. فظل يستجدي الاسياد كي يصفحون عنه ويسمحون له بالسكن في اي مكان كان....
تعاطف معه الكثير من الاهالي لابقاءه بدون مأوى ياويه ولا بيت يسكنها، فوصل خبر التعاطف الى مشايخ الناحية الذين ابدو موافقتهم مشترطين ان يكون سكنه في مكان محايد يقع على حدود ثلاث عزل ...!!!
اوجد المشايخ الحل.. وعجز هو من ايجاد المكان.. فكيف سيجد هذا المثلث الذي يتوسط ثلاث قرى وكل قرية تتبع عزلة اخرى، انه بمثابة الحل التعجيزي او كما قيل بانها مجرد (عُكارة) لا غير...
لقد وصل الى قناعة باستحالة وجود هذا المكان المشروط ليستوطنه.. الا ان (الرُبيد) راعي الغنم بالمنطقة اعاد له الامل من جديد فقد اخبر المشايخ بان (ذراع الابل) هو المكان الوحيد الذي يقع على حدود ثلاث قرى تتبع ثلاث عزل.
فحُددت له مساحة صغيرة من ذلك الذراع المعزول والمحشور في احدى زوايا وادي الجاح، والذي يمتد الى نجد (قُعَيش) المرتبط بتلك السلسلة الجبلية المتصلة بجبل (قلة) احد الجبال الشامخة بالناحية.
استوطن المغبش ذراع الابل في اربعينيات القرن الماضي، فبدأ يشعر باستعادة هويته المسلوبة، على الاقل اصبح له موط قدم ومساحة يستطيع ان يبني فيها البيت الذي سيعيش فيه هو وفتاة احلامه تحت سقف واحد.
بعد ان تزوج المغبش بفترة قصيرة تحول ذلك المكان الموحش الى ملتقى انس واستراحة للمارة والحمارة، والجمالة والمساوقة وغيرهم من المسافرين............
الجميع كان يناديه بالمغبش... لكن لا احد يعرف اسمه الحقيقي!!.. او من اي المناطق هو؟ ولماذا سكن في هذا الذراع بالذات..!!!
لا احدا يعرف بتفاصيل قصته بما فيهم جيرانه.. لقد تم التكتم عليها ربما لخصوصياتها، ليس بما يخص المغبش ولكن ربما لاعتبارات اخرى.
كان البعض يتسائل لماذا حُرم من الحصول على ذراع او باع في تلك الاراضي الشاسعه التي اتسعت للجميع وضاقت على المغبش...؟!!!
ولماذ نبذته جميع المناطق واحتضنه نجد قُعَيش.......؟؟
مذ ان كان المغبش صبيا الى ان اصبح فتى في عمر الشباب عاش بقريته التي كان فيها مولده واحتضنت طفولته.
وفي تلك الليلة المقمرة كان السكون يخيم على قرية المغابشة، لا شيئ يقلق سكونها سوى نباح الكلاب او نهيق الحمير او تغريدة ذاك الطائر المعروف (بالقطوي) والذي كان يصدر بين الحين والاخر تلك التحذيرات والتي غالبا لا يصدرها الا في حالة قدوم حيوان مفترس، وبعد منتصف تلك الليله ارتفع من مكان ما في القرية ذلك الصوت المصحوب بالانين الموجع ليشق عنان السماء ويقطع سكون الليل، لقد كان صوت (سعود) احدى نساء القرية انها تتألم من مخاض الولادة.
وما ان ولود غبش فجر ذلك اليوم الغمامي.. ولد في ذات اللحظة المغبش... ذلك المولود القادم من رحم المعاناة ليستقر في هندول المآسي والحرمان..
رضع العشق من ضروع السحاب، وترعرع في السهول والانكاب.. تكحل بالندى، وتشقر بالغمامة.. غازل الفجر وسامر النجم، وسرى مع ساري الليل.. وجنح مع طيور الغباشش.....
زرع الارض ليحصدها غيره، وصرب المحاجين والسبول وعند (اللباجه) لم يكن نصيبه منها سوى (الصولة والروغ والسطن) فكان المرهوك هو خبزه المخلوط باوراق العلفق المسمى (بالحلص).
انه ذلك الفتى الشجاع والقوي، طويل القامة، عريض الجسم، بسواعد مفتولة، وقدمين كبيرتين، وعينين واسعتين، وببشرته السمراء...
عندما سمع الشيخ من الاهالي وهم يتحدثون عن المغبش كان يستدعيه لانجاز بعض الاعمال الى ان اصبح احد عساكره الذين يعتمد عليهم.
كان الشيخ نادرا ما يذهب الى مقر الناحية واذا ذهب فانه يعود في نفس اليوم متاخرا، او يبيت هناك ليومين او ربما اكثر هو ومن يرافقه.
ذات مرة امتطى الشيخ بغلته الحمراء وتقدم المغبش ليسير امام البغلة حافي القدمين وعلى كتفه بندقية (فرنصاوي) وعلى خصره محزم الرصاص، وكان فمه ممتلى بالقات الذي يمضغه بشراهة، وفي يده يحمل ذلك الكلوات الشراري، وبين ارداف مشدته المطويه على رأسه كيس (التتن) المخلوط بقليل من الرماد وتسمى هذه الخلطة (بالدمبس) فيدس باطراف اصابعه بين الحين والاخر لياخذ بعض منه ويلقم به احد جوانب شفته السفلى.
كان الوقت يقترب من العصر انهم عائدون من دار الحكومة والطريق الى القرية لازالت طويلة فقال المغبش للشيخ مفتتحا الحديث:
كيف رائيته يا شيخ اشتسبر ؟!!
الشيخ: ما فيش حاجه تسبر عند الحكام والعمال.. لكن مو نعمل لاصحابنا نقل لهم سدوا قالوا يشوا شرع الله..
المغبش: محد يلقي شرع الله.
الشيخ: قلنا لهم لكن اصحابنا ما يشوا الا من اصحاب مطلع يعصعصوا لهم الرقاب، خبرنا ما يعجبهمش.
المغبش: شله مني ياشيخ.. شزلجوا يبيعوا الاحوال والشريعة ما اشتزلجش..
لقد قطعوا ثلثي مسافة الطريق من حيفان باتجاه القرية، كان الشيخ يتحدث الا ان المغبش كان قد بدأ يشرد بذهنه تدريجيا فهو لا يرد الا (بايوه او لا) الى ان دخل بصمت عميق، لكنه كان يحشو فمه بالمزيد من اغصان القات ثم يدس (بمشفره) (بتلقيمة دمبس).
كان المساء يقترب واشعة الشمس تحجبها الجبال، وبعد ان قطعوا ثلاثة ارباع الطريق ولم يتبقى الا الربع منها..
اوقف المغبش البغلة
فقال له الشيخ: لمه استقمت يا مغبش!!
المغبش: انزل يا شيخ من فوق البغلة.
الشيخ: لمو اتشا تنزلني.. مو حصل!!
المغبش: ولا به شي.. بس شركب انا وا سيدي.
الشيخ: مو تقول يا خادم.
المغبش: يوجه البندقية باتجاه الشيخ : اقولك انزل وَ سيدي.. قبل ما اجزعة تصفر بين انجافك ذحين.
الشيخ: بلا قشاشة وَ مغبش.. قود البغلة... خيرة الله علوك.
المغبش: عليا الطلاق من الثنتين لو ما تنزل لا اكبنك اونه واجزع.
ينزل الشيخ من على البغلة.. ليمتطي المغبش صهوتها.. استانفوا المسير وفي هذه المرة كان الشيخ يقود البغلة والمغبش راكب..... بعد خطوات قال المغبش: متمشيخ علينا دهر ولا اتحاكينا.. ومستكثر على المغبش يتمشيخ (بسقة) فوق البغلة.
الشيخ: اتمشيخ يا بن اير الصعب.. ولا يهمك بيني وبينك لما نوصل.
المغبش: يضحك ثم يقول:
خليني شتمشيخ ساعة واعمل اللي براسي..
ولما نوصل وَ سيدي اعمل اللي برأسك..
الشيخ: سهل شرميلك انا مو شعمل.
المغبش: اقولك سير بلا فرغنة.. قود وانت ساكت..
قاد الشيخ البغلة الى ان وصلوا الى مشارف القرية والشمس على وشك الرحيل..
الشيخ: هيا يكفيك يا مغبش.. قد وصلنا هيا انزل لشيخك يركب.
المغبش: يمين ما شنزل الا دجا الدار حقك.
الشيخ: وعادك تحلف عليا ايمانك يا خادم.
المغبش: اقول لك سير وَ سيدي
لا تخلينا اتمرشح بدمك قبل المغرب.
الشيخ: اعقل يا خادم تشا توصل راكب..
والنسوان يضحكين على دقني.. مو شقولين الشيخ يقود للمغبش البغلة..
اقول لك خيرة الله عليك انزل من فوق البغلة.. خلي الليله تجزع على خير.
المغبش يوجه البندق للمرة الثانية باتجاه رأس الشيخ: لا تخليناش يا شيخ اماسيك..
يمين لا اخلي مخك يذرذر بطول الاصفية.
الشيخ: اغضب ابليس اللي يقروك ونزل البندق.
المغبش: قود البغله.. سكته مساكته..
استمر الشيخ ودخلوا القرية وكان بعض رجال ونساء القرية يتابعون المشهد بصمت من على منازلهم، وعند وصول البغلة الى امام الدار نادى الشيخ للعسكر: مو بكم مهقعين يا سجيف.. نزلوا الخادم من فوق البغلة واربطوا ابوه جنب الحمار .... ثم دخل داره.
نزل المغبش من على البغلة وسلم البندق ومحزم الرصاص وهو يبتسم...
احدهم: مو صنف لامك تعمل هذي العملة.
المغبش: قلت شعمل نفسي شيخ واجرب المشيخة من فوق البغلة.
عسكري: عملوموك وسط دست وحندوا.
المغبش بثقة: يكفي عملت اللي بالرأس،
ذحين خندقوميه وَ اسياد.. ودونا لكن جحر الحمار الداخلي.
احد العسكر: ولا اشنوديك مكان .. اشنربطك جمبه.
تلك الليلة شعر جميع (المُغَبِشين) ليس في القرية وحدها بل بالمنطقة وربما في العزلة باكملها ان هناك مصيبة كبيرة قد حلت على رؤوسهم... اما (سعود) ام المغبش فقد هرولت الى دار الشيخ بعد سماعها للخبر واخذت تقبل اقدام الشيخ وتقدم اعتذارها واسفها، الا ان الشيخ ركلها بقدمه الى ان سقطت على الارض، استعادة توازنها وعندما جلست قالت....
سعود: نحن اخدامك وَ سيدي اعمل اللي تشاء.
الشيخ : منتش داري مو عمل ابنك..
سعود : قشش وَ سيدي قشش...
صباح اليوم التالي المغبش مربوط الى جذع الشجرة التي تقع في الساحة المقابلة للدار، وكان الشيخ قد استدعى عقال القرية والقرى المجاورة الذين تجمعوا بالساحة.
الشيخ: افتحوا المدفن ونزلتم الخادم وسطه.
العاقل: لا يا شيخ هذي خيبة بحقك.. مو شقولوا.. الشيخ استقوى على الخادم وقتله
بالمدفن.
الشيخ: ما فيش غير نكرد الاخدام كلهم من القرية ولا يبقي منهم نافر..
الفقي : هذي كبيره يا شيخ.. ما يصلحش نخرجهم كلهم من سِبيت واحد.. نطرد المغبش.
الشيخ: بعدك يا فقي.. بس دقوا بيته ولا تخلوا منه وضر.. واطردوا ابوه ولا عاد اشتي اشوف له صوره.
تحرك اتباع الشيخ نحو بيت المغبش وهو يشاهدهم وهم يهدمون بيته.
بعد ان فكوا وثاقه تقدم المغبش خطوات لياخذ ثيابه (وشملته والكامل) ووضعهم في صُرة ثم ربطها في مؤخرة عصاته السميكة وحملها على كتفه وحضن امه وهى تبكي وتقول له ريت نهاية قشاشتك وَ مغبش..
هيا لو كان ما قششت مو شقعبك...
هز المغبش لها رأسه، ثم التفت الى الشيخ والعقال والمحتشدين والفقيه وقال:
عملتم ما بدالكم يا اسياد.. دقدقتم ديمتي وذلحين تطردونا من قريتي..
فيسع ما نسيتم.. خدمتوكم لما حنيت .. شقيت معاكم باللقمة والهُجمة.. دقيت بالمرفع لما (كفريت) .. تمسيتو ومسيتو، وضربتو السياري، زمرت لما اتقارحين اذاني دم، ركزت المدايع، عَمّرت البواري.... نضحت الشعاب، عمرت المكاسر، نقفت الاصفية اتحملت فوق ظهري الاركان والالم والمساقف والاوضار.. وذلحين تطردونا.
تذلونا.. وسكتنا لكم، هتكتم شرفنا.. واتعامسنا، تتمعشقوا على مكالفنا وجزعناها.. تشلوا الخادمه المليحة من جنب زوجه ولو طلع نخس او نافر.. قلتم قوم ازعف الخادمة مرقحة سيدة.. عباقي ذل ازيد من اذه....
وعادكم زيد تحدثوا على شرع الله!!!!.. اين شرع الله منكم.. انتم بشق وشرع الله بالشق الثاني، وعاد الفقي خطب الجمعة الاوله..
عباد الله الناس سوى سوى.. مثلما اسانين المشاط.. وما بوش فرق بين الابيض ولا الاسود .......
انتم ذلحين جالسين تضحكوا على الخلق..
والا تغالطوا الخالق.. والا تكذبوا على
نفوسكم..
تطردونا وتخرجونا من قريتي مهرور مطرور..
موصله عسا الله العملة اللي عملتيه ...
قششتوا وركبتوا بغلة الشيخ.. ابن الخطاب بكله وهو مش شيخ امير المؤمنين....
دخل المقدس وهو يقود الحمار والعبد حقه راكب.. والشيخ حقنا عمل قاع وقرمباع لمه المغبش ركب بغلته (بسقة)......
قصدكم تدوروا لنا عذر بس ....
اما عيشوا مذلولين...
والا خروا وطروا من البلاد..
تحرك المغبش خطوات ثم التفت وهو يواصل السير.. فيضحك بصوته (الجاعي) بضحكات مجلجلة تقعقعت كالبوارق وتحنحنت بحنين الرعود....
ليمضى بعدها في حال سبيله تاركا وراءه القرية ونظرات امه تترقبه وهو يخطو بخطوات ممتدة وسريعة..
الى ان اختفى خلف انكاب الجبال..
.......... يتبع
اللوحة للفنان التشكيلي ياسين عبد الله غالب